دال؛ للأَسف الشّديد فانَّ المسؤوليةَ عندنا تشبهُ [كُرَةً] في ملعبٍ نتقاذفها فيما بينِنا ونرميها على بَعضِنا طِوالَ الوقتِ! فاذا حصلَ فشلٌ ما فكلُّ النّاس مسؤولون عَنْهُ الّا أَنا! واذا احتجنا الى تغييرٍ ما فكلّ النّاس مسؤولون عن تحمُّلِ مسؤوليّتهِ والمبادرةِ اليهِ الّا أَنا!.
لم تسمع أحداً يتحمّل المسؤوليّة مهما كان موقعهُ ومركزهُ! فما بالك بالمواطنِ العادي؟! ولذلك فالمبادرة عندنا ضعيفةٌ جداً والتَّغيير لا يُبادرُ اليهِ الّا [مجنونٌ].
ولذلك فليس غريباً ابداً ان يضيعَ سبب الفساد والفشل الذي يجتاح العراق على الرّغم من عِظَمِ خطرهُما! فلم نرَ لحدِّ الآن [عِجلٌ سمينٌ] واحِدٌ على الأقلّ يقفُ خلفَ القُضبانِ أَمام القضاءِ! والظَّريفُ في الامر انّ الجميع يتحدّثون عنهُما ولكنَّك لا تسمعُ أحداً يُبادرُ لتحمُّل مسؤوليتهِ إِزاء ذلك!.
حتى المتَّهم الاوّل في كلّ هذا الفسادِ والفشلِ بعد سُلطةٍ شِبهِ مُطلقةٍ دامت (٨) سنوات يطلع علينا بين يومٍ وآخر في الاعلام ويُطالب بالكشفِ عن الفاسدين والفاشلين!.
فمن هو الفاسدُ والفاشلُ، اذن، اذا لم تكن أَنت أوَّلهم؟!.
يقولون انَّ الّلص يستأجِر بيتاً خلفَ مركز الشُّرطة ليطرد الشّبهةِ عن نَفْسهِ وليحمي نَفْسَهُ من الملاحقةِ! وهي حال الفاسدين والفاشلين الآن، فتراهم مبثوثون في مختلف وسائل التّواصل الاجتماعي، وخاصّةً في مجموعات الواتس آب والفايبر والفيس بوك، للاختباءِ خلفها هرباً من العيون التي تُلاحقهم والأصابع التي تُشيرُ اليهم! وهم أَعلى الآخرين صوتاً وأكثرهم حديثاً عن النّزاهة! كالمومسِ التي تُكثر من الحديثِ عن العفَّةِ والشّرفِ!.
فمَن وكيفَ يُحقّق التّغيير المرجو؟!.
إِنَّ أَحد أهمّ وأَبرز وأسهل الجهات التي يرمي عليها كثيرون مسؤوليّة تغيير قانون الانتخابات هي المرجعيّة الدّينيّة، على اعتبار انّها الاقوى تأثيراً في السّاحة فاذا ارادت شيئاً تحقّق واذا دعت الى أَمرٍ أُنجز!.
فضلاً عن كونِها الجهة التي تُمثّل الشّرعيّة التي لا يُشَقُّ لها غُبارُ!.
ولذلك ترى انَّ هؤلاء يرمون بثقلِ المسؤوليّة عليها في كلّ شَيْءٍ، ومنها تغيير قانون الانتخابات!.
فلماذا يرمي هؤلاء المسؤولية على المرجعية الدّينية تحديداً؟!.
إنّها طريقةٌ لشرعنةِ الهروبِ من المسؤوليّة، فكما انّ الانسان الذي يتحمّل مسؤوليَّةً ما يبحث عن مسوِّغٍ شرعيٍّ ليُضفي بالشَّرعيَّة على المسؤوليَّة التي يتحمَّلها، كذلك فانَّ هؤلاء يبحثونَ عن [مسوِّغٍ شرعيٍّ] لشرعنة هروبهم من المسؤوليّة! ومن الواضح جداً فانّ المسوّغ الشّرعي يُضلّل الرّاي العام عادةً أَكثر من ايِّ مسوِّغٍ آخر خاصَّةً في بُلدانِنا ومجتمعاتِنا التي ينتشر فيها الجهل والتخلُّف والأُميّة ما تجعل التّضليل باسم الدّين وأدواتهِ أَمرٌ في غاية السّهولة، ففي المسوّغ الشّرعي لا يجرُؤ أَحدٌ على النِّقاش، ولذلك لجأ اليه [الصّحابي الجليل] عبد الله بن عُمر عندما أراد ان يتهرَّب من مسؤوليّة التّصدّي لسلطة الأمويّين الظّالمة من خلال اعلان النُّصرة لسيّد شباب أهل الجنّة وسبطِ رَسُولِ الله (ص) الامام الحُسين بن علي عليهِما السّلام، عندما لجأ الى مسجد رسول الله (ص) ليعكِفَ على قراءة القرآن الكريم! فمن يا ترى يجرُؤ على منعهِ مثلاً او تقديم النُّصرةِ على المسجد والقرآن؟!.
ولقد تغيّرت الأدوات اليوم في عراقِنا العظيم فالدجّالون يُشرعِنون فسادهم وفشلهم بمسبِحةٍ طويلةٍ وقِدرٍ كبيرٍ من القيمة الحُسينيّة يخوطون فِيهِ أَمام عدساتِ الكاميرا [وهم لا يعرفون طبعاً حفاظاً على الإخلاص والتَّقوى] ومجالسَ حُسينيَّةٍ عامرةٍ في المكاتب الرّسمية و [موكبٌ لمختارِ العصرِ] في الاربعين لخدمةِ الزُّوار في مدينة الحسين عليه السّلام كربلاء المقدّسة! فمن سيجرؤ على اتهامهم او حتى مساءلتهم يا تُرى؟!.
وسيُعيدون الكرَّة مرّة أُخرى عمّا قريب! فالمحرّم على الأبواب!.
امّا المتهرّبون من تحمُّل المسؤوليّة فان طريقتهُم المفضّلة لشرعنةِ هروبهم هذا هو رميِ المسؤوليّة على المرجعيّة الدّينية في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ!.
والظَّريف في الأمرِ أَنَّك اذا راجعتَ تاريخ هؤلاء لم تَر فيه انّهم مِمَّن يُطيعُ المرجعيّة الدّينية اذا قالت شيئاً فكما انّهم شُطّار بالبحثِ عن المسوّغ الشّرعي للهرب من المسؤوليّة كذلك فانّهم شُطّار جداً في إيجاد المبرّر الشّرعي للهربِ من الالتزام برأي المرجعية الدّينية عندما يكون لها رأيٌ في الشأْن العام! وهذا دليلٌ كافٍ على أَنّ همَّهُم ليس ما تقولهُ المرجعيّة للالتزام به وطاعتِها وانّما ينصبُّ همَّهم على كيفيَّة الهرب من المسؤوليَّةِ حصراً.
ولذلك رأينا كيف انّ رأي المرجعيّة الدّينية لم يجد طريقهُ الى الواقع في بعضِ الاحيانِ على الرّغم من شرعيّتهِ الدّينية والوطنيّة التي لا يرقى اليه شكٌّ ابداً، والسّبب في ذلك كما هو معروفٌ تنصُّل مَن يدّعي حرصهُ على رأي المرجعيّة من الالتزام بهِ بمليونِ عُذرٍ وعُذرٍ!.
يُحدّثُنا القرآن الكريم عن حالةِ هذا الصّنف من النّاس بقولهِ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا}.
*يتبع
مقالات اخرى للكاتب